Archive for the ‘Asharq Al Awsat’ Category

معرض صور عن أماكن وناس لمدينة لبنانية

مجموعة صور من مدينة طرابلس التقطتها عدسات الشبان
صهيب أيوب – جريدة الشرق الأوسط

ضمن فعاليات «الموسم الثقافي الشتوي» في مركز رشيد كرامي البلدي (قصر نوفل) في طرابلس، افتتحت مجموعة «نحن نحب طرابلس» معرض صور تحت عنوان: «طرابلس عن الأماكن والناس» هو الأول لها. المعرض هو نتاج مشروع «صوّر ع الماشي» الذي أطلقته المجموعة عبر سلسلة جولات في شوارع وأزقة المدينة الغارقة في الفقر، والمليئة بالقصص والحكايات.

وفي افتتاح هذا المعرض الذي يستمر إلى يوم الجمعة 14 يناير (كانون الثاني) في مبنى «قصر نوفل» الأثري، تكون مجموعة «نحن نحب طرابلس» قد سجلت إنجازا جديدا، ستظهر آثاره في المستقبل القريب، مع انتقال المعرض إلى مناطق لبنانية أخرى.

وسيكون الشباب «سفراء» مدينتهم إلى الخارج، بعد محاولتهم توثيق مشاهدها عبر صور حية وناطقة بكل «حكايات المدينة»، التي تعد المدينة المملوكية الثانية بعد القاهرة، وفيها متحف تاريخي وأثري «مفتوح» في الهواء الطلق، نظرا لوجود مئات الأبنية الأثرية التي تعود إلى مئات السنين وإلى قرون خلت في أسواقها وحاراتها وأزقتها القديمة.

المجموعة بدأت «حراكها» منذ عامين ونصف العام، بعد أن أطلق مؤسسها، الشاب طه ناجي، وعدد من رفاقه مجموعة على موقع «فيس بوك»، هدفها إعادة الصلة بين شباب طرابلس ومدينتهم من خلال الموقع الاجتماعي.

ومن خلال «فيس بوك» صار الشباب يطرحون أفكارا لتنمية مدينتهم، وكيف يسوقون لها بعد غياب حقيقي للدولة عنها، وتقصير ظاهر من مؤسساتها تجاه مرافقها العمرانية والسياحية والأثرية، وبعد تشويه إعلامي طالها، بعد أحداث مخيم «نهر البارد»، و«فتح الإسلام»، وحوادث «باب التبانة»، و«بعل محسن»؛ فاتفق الشباب على القيام برحلات في أيام العطل والآحاد داخل أسواق المدينة وأزقتها، للتعرف إليها أولا، ولتصوير ناسها وأماكنها وعرضها على صفحة «فيس بوك».

وهكذا بدأ مشوار «المجموعة» يأخذ مساره، حتى صار عدد الأعضاء في الصفحة «الفيسبوكية» يصل إلى أكثر من 9 آلاف شخص من مختلف المناطق اللبنانية. وتحولت المجموعة إلى جمعية «شبابية» نالت العلم والخبرة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان.

الصور معلقة في المعرض بطريقة مميزة. ينتقل الزائر بينها وكأنه يجول طرابلس في مكان واحد. في الصور ملامح بشر، يعيشون الفقر والإهمال في بيوت صغيرة بين أزقة منسية. معظم هذه البيوت آيلة للسقوط، يجتاحها الصقيع ومياه الأمطار في الشتاء، وتقطع أنفاس سكانها من شدة القيظ في الصيف. عدسات الشباب «الهواة» التقطت تلك الوجوه بكل بشاشتها وعفويتها وحزنها الدفين، وصوّرت مشاهد حياتهم، كـ«سيناريو» حي عن تفاصيل العيش المكتوم، بالذل والفقر والبساطة الخالية من كل تصنع.

كريم ذوق (18 سنة) أصغر شباب المجموعة سنا. شغفه بدأ منذ أن اكتشف مشاهد محيطه، وتبلور بالرسم بداية. وحين سنحت له الفرصة ليتعرف إلى طرابلس، ويصور ناسها وحكاياتهم بعدسة كاميرته «الديجتال» أو بعدسة هاتفه النقال، صارت المهمة أسهل والتمتع بممارسة هواية التصوير أمسى «حقيقة» في يومياته؛ فلا يتقيد كريم فقط بجولات المجموعة لـ«يسرق» بعدسته ما يراه «فنيا» قيد التصوير، بل كلما سنحت له الفرصة مع رفاقه يتجول معهم ممسكا «كاميرته»، متصيدا كل لحظة وكل التفاتة.

أكثر ما يلفت نظره ملامح وجوه العجائز وقهرهم الذي «يقتله» من الداخل، كما يقول. يصور كريم ما يمثله وما يشبهه أيضا؛ «فلا يمكن لأحد أن يبدع في مكان لا يجد شيئا مشتركا معه» حسبما يقول.

يحب «التفاصيل»، بل يعشقها، لذلك تكون صوره متعلقة بـ«حكاية متفرّعة»؛ فكل «لقطة» يحاول أن يقتنصها أو ينتظرها، تكون لها أبعادها. «شغف التصوير عندي فلسفة» يقول واثقا، ويضيف: «لا أعتقد أن التصوير مجرد (تفقيس) فقط، هو حالة للتعبير. حالة واقعية تحكي، فالصورة اليوم هي القصة».

في الحديث مع كريم تشعر أنك أمام صحافي صغير، يملك حسا صحافيا، ويدرك قيمة الصورة. يفتخر أنه «دلوع» المجموعة. وقد عرضت له ست صور.

جاد (11 سنة) الأخ الأصغر لكريم يدور بين الصور ويقرأ تحتها الأسماء، وكلما لمح اسم أخيه يعلق مبتسما: «إنها صور كريم». جاد الذي أعجب بصورة معلقة لقطة صغيرة غافية بين كومة قش يقول:«إنها حلوة»، ويركض بين الصور وكأنها عالمه.

في تلك الأثناء يستغل طه بابا (22 عاما)، تصويرا جادا وهو ينتقل في أرجاء المعرض مستكشفا. طه تعرف إلى المجموعة عبر معرفة شخصية بطه ناجي. التصوير مع المجموعة عرفه إلى مجموعة صحافيين تعاون معهم لإنجاز تحقيقاتهم الصحافية، وتولى لهم التصوير.

يقول طه: «أفتخر أنني تعرفت إلى المجموعة. فتحت هذه الجولات الدائمة لي الباب لأدخل عالم الصحافة». صار برصيده العشرات من الصور الصحافية، يساعده بذلك المصور المحترف من أصدقاء المجموعة، الذي يتابع أعمالهم ويتطوع معهم في الجولات الميدانية المصور عبد الرحمن مصطفى. عبد الرحمن يحاول أن يساعد طه دوما لتكون صوره «مميزة». إلى جانب عبد الرحمن يتابع المخرج السينمائي غسان الخوجة عمل المجموعة، ونسق لهم مع فريق «أصدقاء قصر نوفل» الذين ينظمون المعرض كل ما يحتاجونه لإنجاز المعرض ودعمهم.

طه ناجي (المؤسس) يقول إن عمل المجموعة لا يقتصر على التصوير بهدف التصوير. فهم يطلقون ورش عمل دائمة حول المناصرة والحوار، وتحاول الجمعية «التشبيك» مع جمعيات المجتمع المدني في لبنان وطرابلس للتوعية حول مواضيع كثيرة تتعلق بالتنمية المحلية، وبقضايا الشباب والبيئة.

وكان آخر نشاط قامت به المجموعة بالتنسيق مع جمعية «اندي اكت» في نشر ثقافة «صفر نفايات». فقام الشباب بتصوير حاويات النفايات وكل ما يسيء للنظافة في مدينتهم وعرضوها على «فيس بوك» في التفاتة «مواطنين» حول واقعهم البلدي بما يتعلق بالنظافة.

ويؤكد حسن عثماني، أحد المنسقين الدائمين في المجموعة، أن «المشروع هو نتاج سلسة من الجولات التي قمنا بها في طرابلس. نتصيد بعدساتنا مشاهدها من الأسواق إلى الأزقة والأماكن الأثرية، راصدين البساطة المتأصلة في نفوس الناس».

ويضيف: «تطور هذا النشاط المتميز ليتبنى قضايا ومناصرة حملات بيئية مدنية ومحلية، مثل الترويج لحملة تدوير النفايات ومشاركة مجموعة (درج بالدراجة) في الميناء حملتهم نحو مدينة صديقة للدراجة».

من ناحيته اقترح المحامي خالد مرعب (العضو الأكبر سنا في المجموعة) أن يصار إلى تعميم التجربة بين شباب لبنان لقيمتها وأبعادها في تعميق العلاقة بين الشباب ومجتمعهم وتحملهم مسؤولية حمايتها، والبحث في مشكلاتها، والمساعدة على حلها.

يقول منسق أنشطة «قصر نوفل»، إلياس خلاط، إن «المجموعة أعطت حراكا مختلفا ومميزا للعمل التطوعي والشبابي»، وأكد أن «المركز الثقافي صار مرتعا لهم، وأعتقد أنهم سيكونون حاملين لواء الثقافة في المدينة؛ لأنهم يشاركون في معظم أنشطتها».

وأوضح خلاط أن دعم المجموعة جاء ليعزز مفهوم «التشابك» الثقافي – المحلي لإبراز «صورة طرابلس الحضارية».